القواعد الفقهية24
الخميس فبراير 23, 2012 8:13 pm
القاعدة الرابعة والعشرون
كل عبـادة انعقـدت بدليـل شـرعي فلا يجوز إبطالها إلا بدليل شرعي
آخر
كل عبـادة انعقـدت بدليـل شـرعي فلا يجوز إبطالها إلا بدليل شرعي
آخر
إن العقل لا يستقل بإدراك الشرع فأمور العبادة الأصل فيها هو الحظر
والتوقيف على الدليل الشرعي الصحيح . إذا علم هذا فليعلم أن هذه العبادة لا تنعقد
إلا بدليل شرعي كالصلاة مثلاً فإنها لا تنعقد إلا بتكبيرة الإحرام ، وكذلك الإحرام
لا ينعقد إلا بنية الدخول في النسك وهكذا ، فإذا انعقدت هذه العبادات بالدليل
الشرعي فإنه تثبت أحكامها المترتبة على الدخول فيها ، أو على انعقادها وبالتالي
فإنه لا يجوز لأحدٍ كائنًا من كان أن يدعي بطلان ما انعقد بالدليل الشرعي إلا بدليل
يدل على ذلك الإبطال ، وإلا فلا يجوز ، بل هو من التحكم في الشريعة بمحض الآراء
والتقليد المذموم ، فالأصل هو عدم الإبطال فمن ادعاه فعليه الدليل ؛ لأنه مخالف
للأصل . ولقد قال الله تعالى في ذكر المحرمات : ] وَأنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [ وقال تعالى : ] وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ ألْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ
وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [ .
فباب إبطال العبادات باب توقيفـي على الدليل ، وليس مفتـوحًا للشهوات
والمذاهب والأقيسة الباطلة ، فكل ما أثبته الدليل أنه ناقض لهذه العبادة فهو الناقض
وما لا فلا .
إذا علمت هذا فاعلم أن بعض العلماء رضي الله عنهم يجعلون من نواقض بعض
العبادات ما ليس منها ، وإليك بعض ذلك :
فمنها : الوضوء : عبادة دل الدليل الشرعي على ثبوت حكمها بغسل الأعضاء
الأربعة وأعني بحكمها أي رفع الحدث ، فلا يجوز لنا أن نبطل هذا الحكم إلا بدليل يدل
على بطلانها عند تحققه ، وقد دل الدليل الشرعي على بطلانها بالبول والغائط والريح
أي بالخارج من السبيلين ، وبالنوم المستغرق أي المذهب للشعور ، وبما هو أولى منه
كالجنون والإغماء ، وبالمذي وبما يوجب الغسل إلا الموت ، وبمس الذكر بشهوة بلا حائل
، وبأكل لحم الإبل خاصة ، كل هذه النواقض ثبتت بالدليل الشرعي أنها رافعة لحكم
الوضوء المنعقد بدليل شرعي . أما لمس المرأة ولو لشهوةٍ ، ومس حلقة الدبر ، وحمل
الميت أو تغسيله ، والقهقهة وغير ذلك مما يدعيه البعض فليس ذلك من النواقض لهذه
العبادة وذلك لعدم الدليل ، بل هذه الأدلة إما صحيحة غير صريحة ، وإما صريحة غير
صحيحة ، فالواجب عدم الاستدلال بها ؛ لأن الوضوء انعقد حكمه بدليل شرعي فلا نبطله
إلا بدليل شرعي آخر ، والله أعلم .
ومنها : الصلاة : فإنه قد دل الدليل الشرعي على أن الإنسان يدخل فيها
بتكبيرة الإحــرام ، فبناءً عليه فإنه لا يجوز أن نبطل صلاة أحدٍ دخل فيها على هذا
الوجه إلا بدليل ؛ لأن ما انعقد بالدليل
لا يبطل إلا بالدليل فمن هنا تعلم خطأ من قال إنها تبطل بالتنحنح إذا بان حرفان
لعدم الدليل وفي حديث علي t قال : ( كان لي من رسول الله r مدخلان فكنت إذا أتيته وهو
يصلي تنحنح لي ) ، وتعلم خطأ من أبطلها بالإشارة المفهومة بل في حديث ابن عمر : (
أنه قال لبلال كيف رأيت رسول الله r يرد عليهم حين يسلمون عليه
وهو يصلي ، قال : يقول هكذا وبسط كفه ) فهي إشارة مفهومة ، بل الصحابة لما تكلم
معاوية بن الحكم في الصلاة رماه القوم بأبصارهم وضربوا أفخاذهم وهي إشارة مفهومة ،
وعائشة - رضي الله عنها - لما دخلت عليها أسماء يوم كسفت الشمس قالت لها : ( ما شأن
الناس فأشارت برأسها إلى السماء ) . فقالت أسماء : آية ؟ ( فأشارت برأسها أي نعم )
، وهذه أيضًا إشارة مفهومة ، والمهم أن الإشارة باليد أو بالرأس المفهومة لا تبطل
الصلاة لعدم الدليل بل الدليل على خلافها . وتعلم أيضًا خطأ من يبطل الصلاة بالكلام
أو بالنجاسة ناسيًا أو جاهلاً وحديث معاوية بن الحكم في مسلم(1)
وحديث صلاته r بالنعلين النجسين حجة عليهم ،
وهكذا ، فكل من ادعى أن هذا القول أو هذا الفعل يبطل الصلاة فإنه يطالب بالدليل إذ
الأصل عدم الإبطال والدليل يطلب من الناقل عن الأصل . والله أعلم .
مسألة : قد يقول قائل : قد حكمت سابقًا على أن من وجد الماء وقد شرع في الصلاة
بالتيمم أن يخرج منها ويتوضأ ويستأنفها فقد ادعيت أن وجود الماء مبطل للصلاة فما هو
الدليل ؟ قلت : قد ذكرنا دليلنا على ذلك وهو قوله تعالى : ] فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [ وهذا واجد للماء فالشرط لم يتحقق فلا يتحقق المشروط ، ولم تفصل الآية
بين ما إذا كان خارج الصلاة أو داخلها ، وحديث أبي هريرة وأبي ذرٍ أيـضًا يدلان أن
من وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته بدون تفصيل بين حالٍ وحال وترك الاستفصال في
مقام الاحتمال يجري على العموم في المقال ، وقد ذكرناها بأوسع من ذلك في قاعدتها
فارجع إليها إن شئت ، والله أعلم .
ومنها : الصيام ثبت الدليل أنه ينعقد بالنية من طلوع الفجر فإذا انعقد فلا يجوز
لأحدٍ أن يدعي بطلانه بقولٍ أو فعلٍ إلا وعليه دليل صحيح صريح وإلا فالأصل عدم
المبطل ، فمن ذلك تعرف خطأ من يفطر الصائم بالحناء في الرجل أو بقطرة الأذن والعين
وبالحقن غير المغذية إذا وجد طعم ذلك في حلقه لعدم الدليل ، وتعرف خطأ من يفطره
بالغيبة والقبلة والمذي وبالإغماء وبشم الروائح الزكية وبذوق الطعام وبلع النخامة
والريق ونحوها ، كل ذلك يدعي البعض أنه من المفطرات والصواب أنه ليس منها لعدم
الدليل ، والله أعلم
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى