القواعد الفقهية20
الخميس فبراير 23, 2012 8:08 pm
القاعدة العشرون
إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن
إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن
إذا تعارض دليلان فلنا في إزالة ذلك التعارض ثلاث طرق : الأولى
: أن نجمع بينهما بتخصيص العموم أو تقييد المطلق ، وهكذا إن أمكن ذلك ، فإن
لم يمكن ذلك فننتقل إلى الحالة الثانية : وهي النسخ فنبحث عن المتأخر
ونجعله ناسخاً للمتقدم ، فإن لم يمكن ذلك فنرجح بين الدليلين ، وإلا فالتوقف
.
إذا علمت هذا فنقول : لماذا قدمنا الجمع على النسخ ؟ ولماذا قدمنا النسخ
على الترجيح ؟ الجواب : أننا قدمنا الجمع على النسخ لأن الجمع فيه إعمال
لكلا الدليلين في وقتٍ واحد ، وإعمال الدليلين في وقتٍ واحد أولى من إعمال أحدهما
في وقتٍ دون وقت وقدمنا النسخ على الترجيح
لأن النسخ أيضًا إعمال للدليلين كليهما لكن ليس في وقتٍ واحد بل في وقتين مختلفين ،
فالمنسوخ معمول به قبل النسخ والناسخ معمول به بعد النسخ فالدليل المنسوخ ليس
باطلاً مطلقًا ، بل هو دليل صحيح معمول به في وقته فقط ، أما الترجيح فإن حقيقته
إبطال أحد الدليلين بالكلية بحيث لا يعتقد جواز العمل به مطلقًا لا في السابق ولا
الآن ، فلأن فيه إبطالاً لأحد الدليلين مطلقًا جعلوه متأخرًا عن النسخ ، و النسخ
فيه إعمال الدليلين في وقتين مختلفين فجعلوه متأخرًا عن الجمع، و الجمع فيه إعمال
الدليلين كليهما في وقتٍ واحد فقدموه على النسخ ؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال
أحدهما ما أمكن ، وذلك لأن الأدلة نزلت ليعمل بها فالتعدي عليها بالإبطال لا يجوز
إلا بدليل ، فالأصل هو إعمالها ، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل .
إذا علمت هذا فاعلم أن علم الجمع بين الأدلة التي توهم التعارض علم
عزيـز قل سالكوه مع شدة الحاجة إليه فعلى طالب العلم أن يحرص على تحصيله ونيله ؛
لأنه من أقوى الأسلحة للذب عن هذه الشريعة الشريفة زادها الله شرفًا ورفعةً ، ولنا
في ذلك مؤلف أسأل الله إتمامه هو كتابنا ( الأجوبة المنيعة في الذب عن أدلة
الشريعة ) أجمع فيه بين الأدلة التي يتوهم المجتهد تعارضها بمقتضى قواعد الأصول
والعربية والفقه والتفسير ، بحيث أكسر شوكة الذين يدعون وجود التعارض في شريعتنا –
قبحهم الله – وفروع هذه القاعدة مذكورة بتمامها فيه ، وإنما أذكر لك بعض الفروع هنا
من باب التمثيل فأقول :
منها : اختلف العلماء في نقض الوضوء بمس الذكر على أقوال والراجح منها هو أن
مس الذكر ينقض الوضوء بشرطين : أن يكون بشهوة ، وبلا حائل ، فقولنا : بلا حائل
لحديث أبي هريرة : ( من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فعليه الوضوء ) واشترطنا
الشهوة(1)
لحديث بسرة : ( من مس ذكره فليتوضأ ) ولأن مس الذكر بلا شهوة كمس اليد واللسان
والأنف لحديث طلق : ( إنما هو بضعة منك ) ؛ ولأن الصلاة ليست محل شهوة ، فهـــذا
القول الراجح أعمل الأدلة كلها ولم يبطل منها شيئًا لا بترجيح ولا بنسخ وهو أولى ؛
لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن ، والله أعلم .
ومنها : اختلف العلماء في أيهما أفضل خديجة أم عائشة ؟ وقرر شيخ الإسلام أن
خديجة في بداية ظهور الإسلام أفضل لما لها من التصديق والتأييد والنصرة ، وأن عائشة
في آخــر الأمــر أفضل لما لها من أثر في نشر الدين والأحكام ما ليس لخديجة - رضي
الله عنها - وهو الراجح فأدلة تفضيل خديجة محمولة على بداية الإسلام وأدلة فضل
عائشة محمولة على آخر الأمر ، وبهذا القول أعملت الأدلة كلها وهو أولى للقاعدة
.
ومنها : الراجح أن قراءة الكسر في قوله ] وَأرْجُلِكُمْ [ محمولة على مسح الرجل إن كانت في خفٍ وقراءة الفتح محمولة على غسلها إن
لم تكن في خفٍ وهذا أحسن من التأويلات البعيدة والتكلف الزائد وهو اختيار شيخ
الإسلام ، والله أعلم .
ومنها : الراجح أن نجاسة الكفار اعتقادية جمعًا بين قوله تعالى: ] إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [ (1)وبين
حديث : ( ليس على الأرض من أنجاس القوم شيء إنما نجاستهم على أنفسهم ) وأدلة جواز
نكاح الكتابية وغير ذلك ، فننزل النجاسة في الآية على الاعتقاد وننزل أدلة الطهارة
على الأبدان فتتآلف الأدلة ولا نبطل منها شيئًا وهذا أولى للقاعدة .
ومنها : أن البهيمة إذا أتلفت شيئًا فلا يخلو إما أن يكون بتفريط من صاحبها
فيضمن لأحاديث إيجاب الضمان ، وإما أن لا يكون بتفريط فلا يضمن لحديث : ( العجماء
جبار ) وعلى ذلك فقس ، وفي كتابنا ما تقر به عينك ، فإن مخبر الكتاب أعظم من وصفه ،
والله تعالى أعلى وأعلم .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى