القواعد الفقهية5
الخميس فبراير 23, 2012 7:43 pm
القاعدة الخامسة
إذا تعـذر الأصل يصار إلى البدل
إذا تعـذر الأصل يصار إلى البدل
العبادات
عندنا نوعان : عبادة إذا فاتت لا يشرع لها بدل كالوقوف بعرفة إذا فات يومه
لا بدل له ، وكالصلوات المفروضات إذا فوتها الإنسان ولم يؤدها فإنه لا بدل لها ، بل
لا كفارة لها إلا فعلها بعينها ونحو ذلك ، فهذه العبادات لا تدخل معنا في هذه
القاعدة وحكمها أنها تسقط المطالبة بها بالعجز عن أداتها مطلقًا لا إلى بدل .
والنوع
الثاني : عبادات إذا فاتت فإنها تفوت إلى بدل يعني لها بدل يقوم مقامها يجزئ
عنها وتتحقق منه المصلحة التي تتحقق من المبدل ، فهذه العبادات الأصل أن تفعل هي
ولا يجوز الانتقال إلى أبدالها إلا عند تعذرها أو العجز عنها ، فإذا تعذرت أو عجزنا
عنها فإننـا ننتقل إلى بدلها ، إذًا البدل لا يجزئ ولا يدخل في حيز المطالبة إلا
إذا تعذر أصله ، فمن انتقل إلى البدل مع القدرة على الأصل ، فإن البدل لا يجزئه
ويأثم بتفويت الأصل وهو قادر عليه ، بل قال بعضهم
: إن البدل لا يدخل في حيز العبادات إلا بعد العجز عن أصله ، ولهذا القول
وجه من النظر ، والمراد
: أنه لا يجوز الانتقال إلى البدل إلا إذا عدمنا المبدل ، ثم اعلم
: أن البدل إذا تعذر اصله فإنه يقوم بجميع ما يقوم به أصله وإن اختلف معه
في الصورة ، وبالفروع يتضح الكلام فأقول
:
منها
: الطهارة الصغرى عن الحدث الأصغر أو الكبرى عن الحدث الأكبر لها بدل وهو
التيمم بالتراب الطاهر ، فإذا كان الإنسان يجد الماء ويقدر على استعماله فلا يجوز
له حينئذٍ أن ينتقل إلى التيمم ، وأما إذا عدم الماء أو وجده ولكن لا يستطيع
استعماله لعذرٍ من حرقٍ ونحوه ، أو لأن البئر عميقة والماء غائر ولا دلو معه ولا
حبل ، فيجوز له حينئذٍ أن ينتقل إلى التيمم ، وعلى ذلك قال تعالى : ] فَلَمْ
تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [ فإذا
انعدم ما يطلق عليه ماء فينتقل إلى التيمم ، وهذا قول الجمهور ، أما الحنفية فإنهم
يجيزون الوضوء بالنبيذ إذا لم يشتد لحديث يروونه لكن فاتهم الصواب ، وحديثهم ضعيف
جدًا ، والله تعالى أعلى وأعلم .
ومنها
: أن الإنسان إذا عجز عن الركوع والسجود الذي هو الأصل فإنه ينتقل إلى
الإيماء بهما ويجعل سجوده أخفض من ركوعه لكن مادام قادرًا على حني ظهره لركوع تام
ووضع جبهته على الأرض لسجود تام فيكون هو المتعين عليه ، ولا ينتقل عنه ، والله
تعالى أعلم .
ومنها
: الأصل أن من حج متمتعًا أو قارنًا فإنه يجب عليه الهدي وهو أن يذبح من
بهيمة الأنعام يوم النحر ما يجزئه ، لكن إذا عجز الإنسان عن الهدي فإنه ينتقل إلى
البدل وهو الصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله تلك عشرة كاملة كما في
سورة البقرة ، إذًا لا يجوز العدول عن الأصل مع القدرة عليه .
ومنها
: الأصل في كفارة اليمين هو أن يكفر الإنسان بثلاثـة أشياء على التخيير
وهي : إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فالحالف مخير بين هذه الأشياء
الثلاثة أي واحد فعله فإنه يجزئ عنه ولو كان قادرًا على غيره ، لكن إذا عجز الحالف
عن كل هذه الثلاثة فإنه ينتقل إلى البدل عنها وهو أن يصوم ثلاثة أيام ، إذًا
لا يجوز الانتقال إلى الصوم إلا إذا عدمنا هذه الثلاثة ؛ لأنه لا يجوز الانتقال إلى
البدل إلا إذا عدم الأصل .
ومنها
: الأصل أن كل قادرٍ على الحج بنفسه أنه يجب عليه أن يحج ببدنه لكن إذا
عجز عن الحج بنفسه لمرض كالمعضوب ونحوه وقدر بماله فعليه أن يقيم من يحج عنه ، وهذا
بدل عن الحج بنفسه ، ولم يجز ذلك إلا لأن الأصل تعذر وإذا تعذر الأصل صرنا إلى
البدل .
ومنها
: الأصل أن قراءة الفاتحة ركن في الصلاة على كل قادرٍ على تعلمها ، لكن
إن عجز الإنسان عن تعلمها أو ضاق وقت الصلاة ولم يتعلمها بعد ، فينتقل إلى البدل
وهو التسبيح والتهليل والتكبير والحوقلة ، ودليلها حديث أبي أوفى(1)
، فلما عجزنا عن الأصل انتقلنا إلى البدل .
ومنها
: كفارة الظهار والقتل الخطأ أو شبه العمد هي على الترتيب فلا يجوز
الانتقال إلى الثاني إلا إذا عدم الأصل ، والله أعلم .
مسألـة
: إذا عجز الإنسان عن الأصل ثم انتقل إلى البدل ثم قدر على الأصل فهل
يلزمه أن ينتقل إلى الأصل لزوال المانع أو يجزئه البدل ؟
الجـواب
: هذا سؤال مهم جدًا ، وجوابه أن يقال : إذا قدر الإنسان على الأصل بعد
الانتقال إلى البدل فلا يخلو من ثلاث حالات :
الأولى
: أن يقدر على الأصل قبل الشروع في البدل أو فيمـا يكـون البـدل شرطًا
فيه ، فهذا يجب عليه الانتقال إلى الأصل ولا يجزئه البدل ، كمن قدر على الماء قبل
الشروع في الصلاة فيلزمه إعادة التطهر بالماء وتبطل طهارة التراب ، وكمن قدر على
الهدي قبل الشروع في الصيام فيلزمه أن يذبح الهدي فلو صام بعد القدرة على الهدي
لانقلب صيامه نفلاً ولا يجزئه عن الهدي ، وكمن قدر على إحدى خصال الكفارة قبل
الشروع في الصوم فيلزمه أن يكفر بالمقدور عليه منها ، وذلك لأننا أجزنا له الانتقال
إلى البدل لأن الأصل قد تعذر ، فشرط الانتقال إلى البدل هو تعذر الأصل فلما قدر عليه مرة أخرى زال الشرط الذي به يباح
البدل فالأصل مقدور عليه الآن وإذا قدرنا على الأصل لم يجز الانتقال للبدل .
الحالة
الثانية : أن لا
يقدر على الأصل إلا بعد الفراغ من فعل البدل أو فعل ما يشترط البدل لصحته فهذا
يجزئه فعل البدل وفعل ما يشترط البدل لصحته كمن قدر
على الهدي بعد الانتهاء من الصوم فهذا لا يلزمـه الهـدي
لأن المطالبة سقطت بفعل البدل، وكمن قدر على الماء بعد الفراغ من الصلاة فهذا صلاته
صحيحة ولا يلزمه إعادتها ، بل ليس من السنة إعادتها وعلى ذلك حديث أبي سعيد(1)
، وكمن قدر على الحج بنفسه بعد فراغ وكيله من أعمال الحج فهذا سقط عنه الحج الواجب
وإن حج بعد ذلك فنافلة .
الحالة
الثالثة : وهي محط
قوة الخلاف وإلا فالخلاف في الحالة الثانية قليل ، لكن هذه الحالة هي التي كثر خلاف
العلماء فيها وهي أن يقدر على الأصل في أثناء فعل البدل أو في أثناء فعل ما يشترط
البدل لصحته فهذا كمن قدر على الحج بنفسه بعد شروع وكيله في الحج وقبل الانتهاء من
أعمال الحج ، وكمن قدر على الهدي بعد الشروع في الصيام وقبل الفراغ منه ، وكمن وجد
الماء بعد البدء في الصلاة وقبل الفراغ منها ، وكمن قدر على التكفير بأحد الخصال
الثلاث بعد الشروع في الصوم وقبل الفراغ منه ، فهل يكمل فعل البدل حتى مع القدرة
على الإتيان بالأصل أو يقطع البدل وينتقل إلى الأصل ؟
في المسألة
قولان : قيل :
بإجزاء البدل ، وقيل : بوجوب الانتقال إلى الأصل ، وبعضهم فرق بين المسائل المذكورة
ففي بعضها أفتى بالإجزاء وفي بعضها أفتى بوجوب الانتقال إلى الأصل [ وإني بقيت
ردحاً من الزمان أبحث عن ضابط يفرق بين المسائل التي يلزم فيها الإنسان أن ينتقل
إلى الأصل حال القدرة عليه والتي لا يلزمه الانتقال إليه ولو مع القدرة ، فلم أجد
لذلك أثرًا في كتب الفقهاء ، إلا ما وجدته في كتاب "القواعد" لابن رجب ولكنه فارق
ليس بواضح كثيرًا ؛ ولأنه جعل فيه مسائل مترددة بين الأصلين زادت من وهج المشكلة ،
ثم لما انقطعت الحبال في يدي توجهت إلى الله تعالى بالدعاء أن يفرج كربي وأن ينفس
همي وأن يدلني على ضابط هذه المسائل فاستجاب لي ولم يخيب رجائي وإني والله لأحقر من
أن يلتفت الله لدعائي لأنه يعلم ما عندي من الذنوب والمعاصي ، ولكنه الراحم المتفضل
، فهداني إلى ضابط عظيم جدًا قست عليه جميع المسائل فوجدتها مطردة عليه ، بل ويوافق
تخريجها على هذا الضابط كل الأدلة وما قاله الفقهاء فحمدت الله تعالى وسجدت له
شكرًا على هذه النعمة ، وإنها والله لأغلى عندي من نعمة الولد والزوجة والمال ، بل
وأغلى عندي من نعمة الحياة ذاتها فارتاح خاطري وهدأت نفسي ، وإليك الآن شرح هذا
الضابط لأنه يحتاج إلى شيء من الفهم ] .
فأقول
: إن الانتقال من الأصل إلى البدل لا يخلو من حالتين :
إما أن
يكون انتقال ضرورة ، وإما أن يكون انتقال رخصة فإن كان الانتقال انتقال ضرورة فإننا
نأمر من قدر على الأصل بعد تعذره أن ينتقل إليه ولو بعد الشروع في البدل لأن
الانتقال إلى البدل في هذه الحالة أجازته الضرورة ، والضرورة تقدر بقدرها ، وقد
زالت هذه الضرورة بالقدرة على الأصل ، فعاد الحكم كما كان ، أما إذا كان الانتقال
انتقال رخصة وتوسعة على المكلف فإنه لا يلزم بالانتقال إلى الأصل عند القدرة على
الأصل ؛ لأن المقصود هو التوسعة على المكلف وإلزامه بالانتقال إلى الأصل بعد الشروع
في البدل منافٍ لهذا المقصود فقلنا : يجزئه البدل ،والذي يدل على إرادة التوسعة
والرخصة هو أن المكلف قادر على أن يأتي بالأصل لكن مع نوع كلفةٍ ومشقة ، فنزل
المكلف منزلة عدم القادر لوجود هذه الكلفة والمشقة ، إذًا الشريعة تريد إزالة هذه
الكلفة والمشقة عنه فرخصت له الإتيان بالبدل ، إذًا صار الانتقال إلى البدل انتقال
رخصة لا ضرورة .
هذا هو
الضابط من ناحية التنظير ، ويبقى أن نخرج الفروع عليه لنرى هل هي متجهة موافقة
للدليل أم لا ؟
فأقول :
منها : من قدر
على الهدي بعد الشروع في الصيام فهل يلزمه الانتقال إلى الهدي أم لا ؟ نقول : إن
الانتقال من الهدي إلى الصيام انتقال رخصة لا انتقال ضرورة بدليل أن المكلف قد يقدر
على الهدي لكن بنوع كلفة كشرائه بدين في ذمته ، أو استلاف ثمنه ، أو كطلبه من مظانه
من المتصدقين والمحسنين لكن هذا لا يلزمه فإذا تيقنا أنه انتقال رخصةفنقول :يستمر في الصوم ولا يلزمه الانتقال إلى
الأصل وإن خالف وانتقل إلى الأصل فإنه يجزئه عندنا أي المذهب لأنه قد جاء بالأصل
المأمور به وخرج من العهدة بفعله ، وليس الصيام عبادة لا يجوز قطعها وهذا واضح
والله أعلم .
ومنها
: من قدر على الحج بنفسه بعد شروع وكيله في الإحرام فهل يلزمه الانتقال
إلى الأصل أم لا ؟ نقول : إن الانتقال من الحج بالنفس إلى الحج بالغير انتقال رخصة
لا انتقال ضرورة بدليل أن المكلف قد يقدر على الحج بنفسه لكن بنوع كلفة ومشقة كحمله
والتوكيل عنه في الرمي ونحوه ، أو أن ينتظر لعله يبرأ ، لكن كل هذا لا يجب عليه
فــدل على أن الأمر رخصة وتوسعة ، فنقول : يجزئه فعل وكيله ويسقط عنه الحج الواجــب
وإن أراد أن يحج عن نفســه بعـد القدرة فلـه ذلك وتنقلب حجة وكيله نفلاً عن نفسه ،
والله أعلم .
ومنها
: من قدر على إحدى خصال الكفارة بعد الشروع في الصوم فإنه لا يلزمه
الانتقال لها ويجزئه التكفير بالصوم لأن الانتقال هنا انتقال رخصة بدليل أن الحالف
قد يقدر على التكفير بإحداها ولكن بنوع كلفة ومشقة ، والله أعلم .
وعلى ذلك فقس ، فإذا لاح لك أن
الانتقال انتقال رخصة فاعلم أن البدل بعد الشروع يجزئ ولو قدر على الأصل كما في
الأمثلة الماضية .
وأما إذا
لاح لك أن الانتقال انتقال ضرورة فاحكم ببطلان البدل عند القدرة على الأصل وإليك
فروع ذلك فأقول :
منها
: المرأة الحائض عليها أن تعتد بالحيض لكن إذا ارتفع إن كانت تدري ما
رفعه فتعتد سنة كاملة ، وإن كانت لا تدري ما رفعه فإنها تعتد عدة الآيسة والصغيرة
ثلاثة أشهر ، فإذا نزل حيضها بعد الشروع في الأشهر فإنه يلزمها أن تنتقل إلى الأصل
الذي هو الاعتداد بالحيض لأن هذا الانتقال من الحيض إلى الأشهر انتقال ضرورة ، يعني
لم يجيزوا لها الانتقال إلى الأشهر إلا بعد التأكد التام من انعدام الأصل ولذلك
قالوا : من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه تعتد سنة كاملة حتى تتأكد أنها ليست ممن
يحيض وليست حاملاً ، إذاً لاح لنا أن الانتقال انتقال ضرورة فألزمناها بالانتقال
إلى الأصل عند القدرة عليه .
ومنها
: وهو أخطرها : من قدر على التطهر بالماء أثناء الصلاة التي دخلها
بالتيمم لعدم الماء فهل يقطعها أم لا ؟ نقول : إن الانتقال من المطالبة بالطهارة
المائية حال عدمها إلى التيمم انتقال ضرورة ، لأنه لا يجوز له التيمم إلا بعد
التأكد التام من عدم الماء ، فإذا قدر على الماء سواءً بشراءٍ ولو في الذمة أو هبة
أو بدلالةٍ ونحوه ، فإن التيمم لا يجوز لكن إذا لم يجد الماء ولم يقدر عليه بأي وجه
فينتقل إلى التيمم ، إذًا صار الانتقال إلى التيمم انتقال ضرورة لا رخصة ، فإذا وجد
الماء وقدر عليه ولو في أثناء الصلاة وجب عليه الانتقال إليه ، وعلى ذلك دلت الأدلة
فمن ذلك قوله تعالى : ] فَلَمْ
تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [ وهذا عام
في كل وقت سواءً قبل الشروع في الصلاة أو في أثنائها أو بعدها ، وخص الدليل صحة
الصلاة بالبدل بعدها وهو حديث أبي سعيد وبقيت الآية عامة في كـل وقـت ، فمـن وجـد
المــاء فـلا يتيمم ، ومن لم يجده فيتيمم بنص الآية ، فمن خص من ذلك شيئاً فعليه
الدليل ولا دليل له .
ومن ذلك
: قوله r : ( فإذا
وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته ) هو عام أيضًا في جميع الأوقات وخص منه ما إذا
انتهى من الفعل بالدليل فبقي ما قبل الفعل وفي أثناء الفعل داخل في هذا العموم ،
فنقول لمن وجد الماء في أثناء الصلاة : اتق الله وأمِسَّه بشرتك ، ولأننا رجحنا أن
التيمم رافع للحدث رفعًا مؤقتًا حتى يوجد الماء فإذا وجد الماء انتهى حكم التيمم
وعاد الحدث كما كان ، فإن كان حدثًا أصغر وجب الوضوء وإن كان حدثًا أكبر وجب الغسل
بدليل حديث عمران : ( خذ هذا وأفرغه عليك ) بعد أن قال : ( عليك بالصعيد فإنه يكفيك
) وللحديث السابق : ( فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته) فإذا تيمم لعدم
الماء فقد ارتفع حدثه ، فإذا دخل في الصلاة فقد دخل بطهارة تامة وعلى وجهٍ مأمورٍ
به شرعًا لكن إذا وجد الماء أو قدر على استعماله فإن حكم التيمم يبطل ويعود الحدث
كما كان ، والصلاة مع الحدث باطلة ، فيلزمه قطعها ويكون قطعها على وجهٍ مأمورٍ به
شرعًا ، ولا يأثم في ذلك ولا يعد مخالفًا لقوله تعالى : ] وَلا
تُبْطِلُوا أعْمَالَكُمْ [ (1)لأن
صلاته بطلت بوجود الماء ، فيلزمه أن يخرج منها بلا سلام ويتوضأ ويستأنفها ، ويقال
أيضًا : إننا أجمعنا معكم أنه إذا وجد الماء قبل الدخول في الصلاة أن تيممه يبطل
ويلزمه استئناف الطهارة بالماء ، فكذلك إذا وجده في أثنائها ، فالأصل هو وجود الماء
قبل الدخول في الصلاة ، والفرع هو وجود الماء بعد الدخول في الصلاة ، والعلة هي
بطلان التيمم وعود وصف الحدث في كلٍ ، والحكم هو أنه كما بطل التيمم قبل الصلاة
وعاد وصف الحدث فكذلك يبطل التيمم في أثنائها ويعود وصف الحدث ، وهو قياس صحيح ،
وأما وجه صحة صلاته إذا لم يجد الماء إلا بعد الفراغ من الصلاة فلأمرين : أحدهما
: لأن الأدلة دلت على صحة الصلاة وإن وجد الماء في الوقت كحديث أبي سعيد .
والثاني : أنه صلى بالتيمم والتيمم رافع فإذا دخل في الصلاة فقد دخل بطهارة
كاملة وعلى وجهٍ مأمـورٍ به شرعًا فإذا تمت صلاته فلا وجه لإبطالهـا فإذا وجد الماء
بعد الصلاة فيبطل تيممه لكن قد انتهى من فعل الصلاة وليس من شروط صحة الصلاة بقاء
الطهارة بعد الفراغ ، وهذا واضـح وأحسب أنه الراجـح بالدليل الأثري والنظري .
ونكون بهذا
قد أتممنا الكلام على هذه القاعدة العظيمة ونستغفر الله تعالى ونتوب إليه وهو أعلى
وأعلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى