القواعد الفقهية6
الخميس فبراير 23, 2012 7:44 pm
القاعدة السادسة
كل فعل توفر سببه على عهد النبي
r ولم يفعله فالمشروع تركه
كل فعل توفر سببه على عهد النبي
r ولم يفعله فالمشروع تركه
اعلم أن فعل النبي r يؤخذ منه
تشريع إذا كان المراد به التشريع ، وكذلك تركه يؤخذ منه تشريع أيضًا . وهذه القاعدة
في تركه ، وتفيدنا أن الأفعال التي تيسر فعلها للنبي r وتركها
باختياره أننا نتعبد لله بتركها لأنها لو كانت مشروعة لما تركها ، فلما تركها دل
على أنها ليست من الشريعة في شيء ، فإنه r قد بلغ
البلاغ المبين ، وأتم الله جل وعلا به الدين ، فما ترك خيرًا إلا دلنا عليه ، ولا
شرًا إلا حذرنا منه ، فتركه تشريع كما أن فعله تشريع أيضًا ، فهو قدوتنا وإمامنا
كما قال تعالى : ] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسْوَة حَسَنَةٌ [ أي هو
قدوتنا في فعله وتركه ، فكما أننا نتأسـى به في فعله فكذلك علينا أن نتأسى به في
تركه ، وخاصة الفعل الذي قدر أن يفعله ولم يمنعه من فعله شيء ومع ذلك تركه فيدل ذلك
أن المشروع تركه .
وفروع هذه
القاعدة كثيرة جدًا لكن نذكر منها ما يدلك على باقيها : فأقول :
منها
: الطواف حول القبور : يَدَّعِي الصوفية وعباد القبور أنه عبادة
وأن فعله من أعظم القربات ، فنقول : إن القبور كانت موجودة في عهد النبي
r وكان يزور
المقابر ويسلم على أهلها ولكن لم يكن يطوف بها مع أن الطواف بها قد توفر سببه فلما
لم يطف بها دل على أن المشروع هو ترك الطواف ، إذ لو كان عبادة لفعله فلما لم يفعله
دل على أنه ليس بعبادة بل هو داخل تحت قوله r : ( من
أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) متفق عليه ، والله أعلم .
ومنها
: الذكر الجماعي بعد الصلاة : فعلٌ توفر سببه على عهد النبي
r فقد كانت
الجماعة للصلاة تقام في عهده وكانوا يذكرون الله بعد الصلاة الذكر المشروع ، ولم
يثبت عنه أنه أمرهم بالاجتماع في الذكر بألفاظٍ واحدة ، فلو كان مشروعًا لفعله ،
فلما لم يفعله دل على أن المشروع هو تركه إذ لو كان مشروعًا لفعله فلما لم يفعله دل
على أنه ليس بعبادة ، والله تعالى أعلم .
ومنها
: السواك عند دخول المسجد خاصة ، فعلٌ توفر سببه على عهده r فقد كان
السواك موجودًا وكان r يدخل إلى
المسجد ومع ذلك لم يثبت أنه استاك عند الدخول إلى المسجد ، إذًا المشروع تركه ،
أو نقول : لا ينبغي للمسلم اعتقاد فضيلة السواك عند الدخول للمسجد خاصة بل
السواك في كل وقت سنة ، لكن من قال بفضيلته أجبنا عنه بهذه القاعدة إذ لو كان فيه
فضيلة لفعله مع توفر سببه ، والله أعلم .
ومنها
: قول المأموم ( استعنا بالله ) أو ( بالله أستعين ) عند قول الإمام
في الفاتحة ( إياك نعبد وإياك نستعين ) : فإن بعض الناس يقول ذلك ، فنقول : هذا
القول توفر سببه على عهد النبي r ولم يفعله
ولم يأمر به الصحابة أن يفعلوه مما يدل على أن المشروع تركه إذ لو كان هذا القول
سنة لأمر به أو فعله(1)
، فلما لم يأمر به ولم يفعله عرفنا بذلك أن المشروع تركه ، والله أعلى وأعلم .
ومنها
: صلاة الرغائب : توفر سببها على عهد النبي r ولم
يفعلها فالمشروع عدم فعلها ، إذ لو كانت مشروعة لفعلها ولو مرة واحدة ، فلما لم
يفعلها دل على أنها ليست من الشريعة في شيء ، والله أعلم .
ومنها
: صيام رجب كله أو بعضه لاعتقاد فضيلته : فعلٌ توفر سببه على عهد
الرسول r ولم يصمه
، فدل على أن المشروع تركه .
ولعل
القاعدة بهذه الفروع قد اتضحت ، والضابط في هذه القاعدة أن يبحث الفقيه عن هذا
القول أو هذا الفعل هل هو مما فعله أو قاله رسول الله r أو لا؟
فإن كان الجواب : نعم ، فهذا لا كلام فيه . وإن كان الجواب : لا ، فقل: لو كان
مشروعًا لفعله لتوفر سببه فهو لم يتركه إلا لأنه ليس بمشروع ، والله تعالى أعلى
وأعلم .
مسألـة
: إن قلت : هل تركه r يدل على
كراهة الفعل أو القول المتروك أم يدل على تحريمه ؟ قلـت : إن تركه للفعل لا يخلو من
حالتين : إما أن يكون مجردًا عن نهي قولي ، وإما أن يكون مقروناً بنهي قولي ، فإن
كان مقرونًا بنهيٍ قولي فإنه يدل على تحريم الفعل كتركه للبناء على القبور فعلٌ
اقترن بالنهي عن البناء عليها في قوله r : ( ولا
قبرًا مشرفًا إلا سويته ) وغير ذلك ، فهذا الترك يدل على تحريم الفعل .
وإن كان
تركًا مجردًا عن قول فإنه لا يدل إلا على كراهة الفعل إذا اعتقد القربة بهذا الفعل
، كالسواك عند دخول المسجد يكره إذا كان يعتقد فضيلة السواك في هذا المكان بالذات ،
والله تعالى أعلى وأعلم .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى