القواعد الفقهية9
الخميس فبراير 23, 2012 7:48 pm
القاعدة التاسعة
النهي إن عاد إلى الذات أو شرط الصحة دل على الفساد وإن عاد إلى أمر
خارج فلا
النهي إن عاد إلى الذات أو شرط الصحة دل على الفساد وإن عاد إلى أمر
خارج فلا
هذه القاعدة تدخل في نصف الدين فإن الدين أعني الأحكام إما أوامر وإما
نواهي ، فهذه القاعدة تختص بالمناهي ، وإليك بيانها :
اعلم
– رحمك الله تعالى – أن النهي
عن الشيء لا يخلو من ثلاث حالات :
الأولى
: إما أن ينهى عنه لذاته أي أن النهي منصب على الذات لا غيرها كالنهي عن
الشرك أو شرب الخمر أو الزنا واللواط والسرقة ونحوها ، فإن كان النهي يعود إلى ذات
المنهي عنه فإنه يدل على الفساد ، أي فساد المنهي عنه فمن ذبح لغير الله فذبيحته
فاسدة لأن النهي عن الذبح لغير الله نهي عاد إلى ذات الذبح لأنه شرك .
الثانية
: أن يكون النهي إلى شرط المنهي عنه ونعني بالشرط هنا شرط الصحة لا شرط
الوجوب ، فإذا كان النهي يعود إلى شرط الصحة للمنهي عنه فإن المنهي عنه فاسد .
والثالثة
: أن يكون النهي عائدًا إلى أمر خارج عن الذات والشرط فإنه لا يدل على
فساد المنهي عنه وإنما يدل على نقصان الأجر لكن الفعل صحيح فمن فهم الفرق بين عود
النهي على هذه الثلاثة فقد أوتي خيرًا كثيرًا ، وإليك الفروع على هذه القاعدة حتى
تتضح أكثر فأقول :
منها
: الصلاة بلا ستر عورة منهي عنها ، فهل هي فاسدة أم لا ؟ الجواب إن
اشتراط ستر العورة في الصلاة شرط من شروط الصحة فإذا صلى بلا ستر عورة فصلاته باطلة
؛ لأن النهي عن الصلاة بلا ستر عورة نهي عاد إلى شرط الصحة وإذا عاد النهي إلى شرط
الفعل الذي لا يصح إلا به فالفعل فاسد وهذا واضح .
ومنها
: الصلاة بلا طهارة ، صلاة باطلة وفاسدة لأن النهي عنها عاد إلى شرطها
الذي لا تصح إلا به فإن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة ، فهذه الصلاة منهي عنها لشرطها
وما نهي عنه لشرطه فإنه باطل(1)
.
ومنها
: من صام بلا نيةٍ من الليل فصومه باطل ؛ لأن النهي عن الصيام بلا نية
نهي عاد إلى شرطه الذي لا يصح إلا به ، فلا صيام إلا بنية فالصيام بلا نية صيام
باطل ؛ لأن النهي إذا عاد إلى الشرط فإنه يدل على بطلان الفعل .
ومنها
: من صلى بلا استقبالٍ للقبلة فصلاته باطلة ؛ لأن النهي عن هذه الصلاة
عاد إلى شرطها الذي لا تصح إلا به وإذا عاد النهي إلى الشرط دل على بطلان العبادة(2)
.
ومنها
: من باع ما لا يملك ، أو ما لا يقدر على تسليمه فبيعه باطل ؛ لأن من
شروط صحة البيع أن يكون البائع مالكًا للمبيع وقادرًا على تسليمه ، إذًا النهي عن
بيع ما لا يملك وبيع ما لا يقدر على تسليمه نهي عاد إلى شرط البيع والنهي إذا عاد
إلى شرط المنهي عنه دل على الفساد .
ومنها
: من مسح على خفٍ نجس فإن مسحه باطل ؛ لأن من شروط صحة المسح على الخفين
أن يكون طاهرًا ، إذًا النهي عن المسح على الخف النجس نهي عاد إلى شرط المنهي عنه
فيدل على الفساد ومثله من مسح على خف مغصوب (1).
ومنها
: من توضأ بماء نجس فوضوءه باطل ؛ لأن النهي عاد إلى شرط المنهي عنه فيدل
على الفساد(2)
.
ومنها
: من نكحت بلا ولي فنكاحها باطل ؛ لأن من شروط صحة عقد النكاح أن يتولاه
ولي المرأة إذًا النهي عن النكاح بلا ولي نهي عاد إلى شرط المنهي عنه فيدل على
الفساد . هذا من ناحية عود النهي إلى شرط المنهي عنه، وأما أمثلة عود النهي إلى
أمرٍ خارج عن الذات والشرط فإليكها :
منها
: من صلى وعليه عمامة حرير فصلاته صحيحة مع الإثم ؛ لأن النهي عن الصلاة
في هذه الحالة لا تعلق له بذات الصلاة ولا بشرطها الذي لا تصح إلا به فإنه ليس من
شروط صحة الصلاة ستر الرأس ، إذًا عاد النهي إلى أمر خارج وإذا عاد النهي إلى أمرٍ
خارج عن الذات والشرط فيدل على نقصان الأجر فقط لا بطلان الفعل .
ومنها
: من صلى بجورب الحرير أو خاتم الذهب فكذلك صلاته صحيحة إن لم يكن قد مسح
عليه لبطلان المسح عليه كما مضى ، أما هنا فالكلام على الصلاة لا على المسح ،
فصلاته صحيحة لكن مع الإثم .
ومنها
: من حجت بلا محرم فحجها صحيح لكن مع الإثم ؛
لأنه ليس من شروط صحة الحج وجود المحرم وإنما المحرم للمرأة من شروط الوجوب
فقط ، فالنهي عن حج المرأة بلا محرم لا تعلق له بذات الحج ولا بشرطه الذي لا يصح
إلا به فيكون عن أمر خارج فيدل فقط على الإثم ونقصان الأجر لا على البطلان .
ومنها
: النهي عن البيع بعد نداء الجمعة الثاني نهي لا تعلق له بذات البيع
ولا بشرطه الذي لا يصح إلا به ، ولذلك شروط صحة البيع سبعة معروفة ليس منها أن لا
يكون بعد نداء الجمعة الثاني ، إذًا النهي عن البيع بعد نداء الجمعة الثاني نهي عاد
إلى أمرٍ خارج عن الذات وشرط الصحة وإذا عاد النهي إلى أمرٍ خارج فلا يدل على
الفساد ولكن يدل على الإثم ونقص الأجر فقط(1).
ومنها
: البيع في المسجد محرم لكن لو وقع لصح مع الإثم ؛ لأن النهي عنه لا يرجع
إلى الذات ولا الشرط وإنما إلى أمرٍ خارج والنهي عن الأمر الخارج لا يدل على
البطلان . وعلى ذلك فقس .
مسألة
: اعلم – رحمك الله تعالى – أن هناك
فرقًا بين تحريم الشيء والحكم عليه بالبطلان ، فالبيع بعد النداء الثاني ، وفي
المسجد وحج المرأة بلا محرم ولبس الحرير والذهب للرجل كل هذا محرم لاشك فيه لكن لا
تلازم بين تحريم شيء والحكم عليه بعدم الصحة ، فهذه الأفعال صحيحة في ذاتها لكن
أصحابها يأثمون لتلبسهم بالمنهي عنه فانتبه لهذا ، وخلاصة الكلام أن كل فعل لا يصح
فهو محرم وليس كل فعلٍ محرم لا يصح ، فقد يكون محرماً مع الصحة .
مسألة
: اعلم – رحمك الله تعالى – أن خلاف
العلماء في صحة الصلاة في الدار المغصوب داخل تحت هذه القاعدة ، فنقول : إن
من شروط صحة الصلاة طهارة البقعة وإباحتها ، فالأرض المغصوبة طاهرة لكن ليست بمباحة
فإذا صلى الإنسان في دارٍ مغصوبة فتكون هذه الصلاة منهي عنها والنهي عنها عاد إلى
شرطها الذي لا تصح إلا به وهو حل البقعة وإباحتها وإذا عاد النهي إلى شرط المنهي
عنه دل على فساده وبطلانه ، وهذا القول هو الصحيح واختاره الشيخ تقي الدين ، والله
أعلم .
ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى