وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة
الخميس فبراير 23, 2012 4:19 am
التنبيه على ذلك، فأقول مستعينا بالله تعالى:
لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره، بل يجب
منعه؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم
يفعله، ولم يأمر به لنفسه، أو لأحد ممن توفي قبله من الأنبياء، أو من بناته أو
زوجاته، أو أحد أقاربه أو صحابته. ولم يفعله خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم من الصحابة،
رضوان الله عليهم أجمعين، ولا التابعون له بإحسان، ولا أحد من علماء الشريعة والسنة
المحمدية في القرون المفضلة. وهؤلاء هم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حبا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم، ومتابعة لشرعه ممن بعدهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه.
وقد أمرنا بالاتباع ونهينا عن الابتداع، وذلك لكمال الدين الإسلامي،
والاغتناء بما شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتلقاه أهل السنة
والجماعة بالقبول، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحدث في
أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته.
وفي رواية أخرى لمسلم من عمل عملا ليس
عليه أمرنا فهو رد وقال عليه الصلاة
والسلام في حديث آخر: عليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم
ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكان يقول في
خطبته يوم الجمعة: أما بعد فإن خير
الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل
بدعة ضلالة
ففي هذه الأحاديث تحذير من إحداث البدع، وتنبيه بأنها ضلالة، تنبيها
للأمة على عظيم خطرها، وتنفيرا لهم عن اقترافها والعمل بها. والأحاديث في هذا
المعنى كثيرة. وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
وقال عز وجل: فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ وقال تعالى:
لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا وقال تعالى:
وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ وقال تعالى:
الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلامَ دِينًا وهذه الآية تدل
دلالة صريحة، على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة دينها، وأتم عليها
نعمته، ولم يتوف نبيه عليه الصلاة والسلام إلا بعد ما بلغ البلاغ المبين، وبين
للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال، وأوضح أن كل ما يحدثه الناس بعده،
وينسبونه إلى الدين الإسلامي، من أقوال وأعمال، فكله بدعة مردودة على من أحدثها،
ولو حسن قصده.
وقد ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن السلف الصالح
بعدهم، التحذير من البدع والترهيب منها، وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين، وشرع لم
يأذن به الله، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى، في زيادتهم في دينهم،
وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي، واتهامه
بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم، والمنكر الشنيع، والمصادمة لقول
الله عز وجل: الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ والمخالفة
الصريحة لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، والمحذرة من البدع والمنفرة منها.
وإحداث مثل هذه الاحتفالات بالمولد ونحوه يفهم منه: أن الله سبحانه
وتعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ ما ينبغي
للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به الله
زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله
سبحانه وتعالى وعلى رسوله، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة،
والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة،
ويباعد من النار، إلا بينه لأمته، كما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص
رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بعث الله من
نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم
رواه مسلم في
صحيحه، ومعلوم أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم
بلاغا ونصحا، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي ارتضاه الله سبحانه
لعباده، لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم،
فلما لم يقع شيء من ذلك، علم أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هو من المحدثات التي
حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته، كما تقدم ذلك في الأحاديث السابقة.
وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها، عملا بالأدلة
المذكورة وغيرها، ومعلوم من القاعدة الشرعية أن المرجع في التحليل والتحريم، ورد ما
تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال عز وجل:
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وقال تعالى:
وَمَا
اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ
وإذا رددنا هذه المسألة وهي الاحتفال بالموالد إلى كتاب الله سبحانه
وتعالى، وجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، ويحذرنا عما
نهى عنه، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما
جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا، وأمرنا
باتباع الرسول فيه.
وإذا رددناه أيضا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم نجد أنه
فعله ولا أمر به، ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فبذلك نعلم أنه ليس من الدين، بل
من البدع المحدثة، ومن التشبه الأعمى بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم.
وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق، وإنصاف في طلبه، أن الاحتفال بجميع
الموالد ليس من دين الإسلام في شيء، بل هو من البدع المحدثات، التي أمرنا الله
سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام بتركها والحذر منها.
ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار، فإن
الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية، كما قال تعالى عن اليهود
والنصارى: وَقَالُوا لَنْ
يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ
قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وقال تعالى:
وَإِنْ تُطِعْ
أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
الآية.
ثم إن غالب هذه الاحتفالات - مع كونها بدعة - لا تخلو في أغلب الأحيان،
وفي بعض الأقطار من اشتمالها على منكرات أخرى، كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال
الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات وغير ذلك من الشرور. وقد يقع فيها ما هو
أعظم من ذلك، وهو الشرك الأكبر وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو
غيره من الأولياء، ودعائه والاستغاثة به وطلب المدد منه، واعتقاد أنه يعلم الغيب،
ونحو ذلك من الأمور التي تكفر فاعلها، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال: إياكم والغلو في
الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين وقال عليه الصلاة
والسلام: لا تطروني كما
أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله
أخرجه البخاري في
صحيحه، ومما يدعو إلى العجب والاستغراب، أن الكثير من الناس ينشغل ويجتهد في حضور
هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلف عما أوجب الله عليه، من حضور الجمع
والجماعات، ولا يرفع بذلك رأسا، ولا يرى أنه أتى منكرا عظيما. ولا شك أن ذلك من ضعف
الإيمان، وقلة البصيرة، وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي، نسأل
الله العافية لنا ولسائر المسلمين.
وأغرب من ذلك أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر
المولد، ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن
الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة. ولا يتصل بأحد من
الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى
عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله سبحانه وتعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ
بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أول من ينشق
عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع وأول مشفع فهذه الآية
والحديث الشريف، وما جاء بمعناهما من الآيات والأحاديث، كلها تدل على أن النبي صلى
الله عليه وسلم وغيره من الأموات، إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، وهذا أمر
مجمع عليه بين علماء المسلمين، ليس فيه نزاع بينهم، فينبغي لكل مسلم: التنبه لهذه
الأمور، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم، من البدع والخرافات التي ما أنزل الله
بها من سلطان.
أما الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي من أفضل
القربات، ومن الأعمال الصالحات، كما قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وقال النبي صلى
الله عليه وسلم: من صلى علي
واحدة صلى الله عليه بها عشرا وهي مشروعة في
جميع الأوقات، ومتأكدة في آخر كل صلاة، بل واجبة عند الكثير من أهل العلم في التشهد
الأخير من كل صلاة، وسنة مؤكدة في مواضع كثيرة، منها ما بعد الأذان، وعند ذكره صلى
الله عليه وسلم، وفي يوم الجمعة وليلتها، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة. هذا ما
أردت التنبيه عليه نحو هذه المسألة، وفيه كفاية إن شاء الله لمن فتح الله عليه
وأنار بصيرته.
وإنه ليؤسفنا جدا أن تصدر مثل هذه الاحتفالات البدعية، من مسلمين
متمسكين بعقيدتهم، وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ونقول لمن يقول بذلك: إذا
كنت سنيا ومتبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل فعل ذلك هو أو أحد من صحابته
الكرام،
أو التابعين لهم بإحسان، أم هو التقليد الأعمى لأعداء الإسلام، من
اليهود والنصارى ومن على شاكلتهم.
وليس حب الرسول صلى الله عليه وسلم يتمثل فيما يقام من احتفالات بمولده،
بل بطاعته فيما أمر به، وتصديقه فيما أخبر به، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد
الله إلا بما شرع. وكذا بالصلاة عليه عند ذكره، وفي الصلوات وفي كل وقت ومناسبة.
وليست الوهابية حسب تعبير الكاتب بدعا في إنكار مثل هذه الأمور البدعية، بل عقيدة
الوهابية: هي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسير على هديه،
وهدي خلفائه الراشدين، والتابعين لهم بإحسان، وما كان عليه السلف الصالح، وأئمة
الدين والهدى، أهل الفقه والفتوى في باب معرفة الله، وإثبات صفات كماله ونعوت
جلاله، التي نطق بها الكتاب العزيز، وصحت بها الأخبار النبوية، وتلقتها صحابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالقبول والتسليم. يثبتونها ويؤمنون بها ويمرونها كما
جاءت، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ويتمسكون بما درج عليه
التابعون، وتابعوهم من أهل العلم والإيمان والتقوى، وسلف الأمة وأئمتها، ويؤمنون
بأن أصل الإيمان وقاعدته هي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهي
أصل الإيمان بالله وحده، وهي أفضل شعب الإيمان، ويعلمون بأن هذا الأصل لابد فيه من
العلم والعمل والإقرار بإجماع المسلمين، ومدلوله وجوب عبادة الله وحده لا شريك له،
والبراءة من عبادة ما سواه، كائنا من كان، وأن هذا هو الحكمة التي خلقت لها الجن
والإنس، وأرسلت لها الرسل وأنزلت بها الكتب، وهي تتضمن كمال الذل والحب لله وحده،
وتتضمن كمال الطاعة والتعظيم، وأن هذا هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينا سواه،
لا من الأولين ولا من الآخرين، فإن الأنبياء على دين الإسلام، وبعثوا بالدعوة إليه،
وما يتضمن من الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره، أو دعاه ودعا غيره كان
مشركا، ومن لم يستسلم له كان
مستكبرا عن عبادته قال تعالى: وَلَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ
وعقيدتهم مبنية أيضا على تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، ونبذ البدع
والخرافات، وكل ما يخالف الشرع الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا هو الذي يعتقده الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، ويدين الله به،
ويدعو إليه، ومن نسب إليه خلاف هذا فقد كذب وافترى إثما مبينا، وقال ما ليس له به
علم. وسيجزيه الله ما وعد به أمثاله من المفترين، وأبدى رحمه الله تعالى من
التقارير المفيدة، والأبحاث الفريدة، والمؤلفات الجليلة، على كلمة الإخلاص
والتوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله، وما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، من نفي
استحقاق العبادة والإلهية عما سوى الله، وإثبات ذلك لله سبحانه وتعالى، على وجه
الكمال المنافي للشرك دقيقه وجليله، ومن عرف مصنفاته وما ثبت عنه، وعرف واشتهر من
دعوته وأمره وما عليه الفضلاء النبلاء من أصحابه وتلامذته، تبين له أنه على ما كان
عليه السلف الصالح، وأئمة الدين والهدى، من إخلاص العبادة لله وحده، ونبذ البدع
والخرافات، وهذا هو الذي قام عليه حكم السعودية، وعلماؤها يسيرون عليه والحمد لله،
وليست الحكومة السعودية متصلبة إلا ضد البدع، والخرافات للدين الإسلامي، والغلو
المفرط الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، والعلماء والمسلمون بالسعودية
وحكامهم يحترمون كل مسلم احتراما شديدا، ويكنون لهم الولاء والمحبة والتقدير، من أي
قطر أو جهة كان، وإنما ينكرون على أصحاب العقائد الضالة ما يقيمونه من بدع وخرافات
وأعياد مبتدعة، وإقامتها والاحتفال بها، مما لم يأذن به الله ولا رسوله، ويمنعون
ذلك؛ لأنه من محدثات الأمور وكل محدثة بدعة، والمسلمون مأمورون بالاتباع لا
بالابتداع، لكمال الدين الإسلامي واستغنائه بما شرعه الله
ورسوله صلى الله عليه
وسلم، وتلقاه أهل السنة والجماعة بالقبول من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ومن نهج
نهجهم.
وليس منع الاحتفال البدعي بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وما يكون
فيه من غلو أو شرك ونحو ذلك عملا غير إسلامي، أو إهانة لرسول الله صلى الله عليه
وسلم، بل هو طاعة له وامتثال لأمره، حيث قال: إياكم والغلو في
الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين وقال: لا تطروني كما
أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله
هذا ما أردت التنبيه عليه في المقال المشار إليه. والله المسئول أن
يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمن على الجميع بلزوم
السنة، والحذر من البدعة، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله
وصحبه.
لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره، بل يجب
منعه؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم
يفعله، ولم يأمر به لنفسه، أو لأحد ممن توفي قبله من الأنبياء، أو من بناته أو
زوجاته، أو أحد أقاربه أو صحابته. ولم يفعله خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم من الصحابة،
رضوان الله عليهم أجمعين، ولا التابعون له بإحسان، ولا أحد من علماء الشريعة والسنة
المحمدية في القرون المفضلة. وهؤلاء هم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حبا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم، ومتابعة لشرعه ممن بعدهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه.
وقد أمرنا بالاتباع ونهينا عن الابتداع، وذلك لكمال الدين الإسلامي،
والاغتناء بما شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتلقاه أهل السنة
والجماعة بالقبول، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحدث في
أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته.
وفي رواية أخرى لمسلم من عمل عملا ليس
عليه أمرنا فهو رد وقال عليه الصلاة
والسلام في حديث آخر: عليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم
ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكان يقول في
خطبته يوم الجمعة: أما بعد فإن خير
الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل
بدعة ضلالة
ففي هذه الأحاديث تحذير من إحداث البدع، وتنبيه بأنها ضلالة، تنبيها
للأمة على عظيم خطرها، وتنفيرا لهم عن اقترافها والعمل بها. والأحاديث في هذا
المعنى كثيرة. وقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
وقال عز وجل: فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ وقال تعالى:
لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا وقال تعالى:
وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ وقال تعالى:
الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلامَ دِينًا وهذه الآية تدل
دلالة صريحة، على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة دينها، وأتم عليها
نعمته، ولم يتوف نبيه عليه الصلاة والسلام إلا بعد ما بلغ البلاغ المبين، وبين
للأمة كل ما شرعه الله لها من أقوال وأعمال، وأوضح أن كل ما يحدثه الناس بعده،
وينسبونه إلى الدين الإسلامي، من أقوال وأعمال، فكله بدعة مردودة على من أحدثها،
ولو حسن قصده.
وقد ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن السلف الصالح
بعدهم، التحذير من البدع والترهيب منها، وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين، وشرع لم
يأذن به الله، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى، في زيادتهم في دينهم،
وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي، واتهامه
بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم، والمنكر الشنيع، والمصادمة لقول
الله عز وجل: الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ والمخالفة
الصريحة لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، والمحذرة من البدع والمنفرة منها.
وإحداث مثل هذه الاحتفالات بالمولد ونحوه يفهم منه: أن الله سبحانه
وتعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ ما ينبغي
للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به الله
زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله
سبحانه وتعالى وعلى رسوله، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة،
والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة،
ويباعد من النار، إلا بينه لأمته، كما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص
رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بعث الله من
نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم
رواه مسلم في
صحيحه، ومعلوم أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم
بلاغا ونصحا، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي ارتضاه الله سبحانه
لعباده، لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم،
فلما لم يقع شيء من ذلك، علم أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هو من المحدثات التي
حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته، كما تقدم ذلك في الأحاديث السابقة.
وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها، عملا بالأدلة
المذكورة وغيرها، ومعلوم من القاعدة الشرعية أن المرجع في التحليل والتحريم، ورد ما
تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال عز وجل:
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ
وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وقال تعالى:
وَمَا
اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ
وإذا رددنا هذه المسألة وهي الاحتفال بالموالد إلى كتاب الله سبحانه
وتعالى، وجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، ويحذرنا عما
نهى عنه، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما
جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا، وأمرنا
باتباع الرسول فيه.
وإذا رددناه أيضا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم نجد أنه
فعله ولا أمر به، ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فبذلك نعلم أنه ليس من الدين، بل
من البدع المحدثة، ومن التشبه الأعمى بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم.
وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق، وإنصاف في طلبه، أن الاحتفال بجميع
الموالد ليس من دين الإسلام في شيء، بل هو من البدع المحدثات، التي أمرنا الله
سبحانه ورسوله عليه الصلاة والسلام بتركها والحذر منها.
ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار، فإن
الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية، كما قال تعالى عن اليهود
والنصارى: وَقَالُوا لَنْ
يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ
قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وقال تعالى:
وَإِنْ تُطِعْ
أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
الآية.
ثم إن غالب هذه الاحتفالات - مع كونها بدعة - لا تخلو في أغلب الأحيان،
وفي بعض الأقطار من اشتمالها على منكرات أخرى، كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال
الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات وغير ذلك من الشرور. وقد يقع فيها ما هو
أعظم من ذلك، وهو الشرك الأكبر وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو
غيره من الأولياء، ودعائه والاستغاثة به وطلب المدد منه، واعتقاد أنه يعلم الغيب،
ونحو ذلك من الأمور التي تكفر فاعلها، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال: إياكم والغلو في
الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين وقال عليه الصلاة
والسلام: لا تطروني كما
أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله
أخرجه البخاري في
صحيحه، ومما يدعو إلى العجب والاستغراب، أن الكثير من الناس ينشغل ويجتهد في حضور
هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلف عما أوجب الله عليه، من حضور الجمع
والجماعات، ولا يرفع بذلك رأسا، ولا يرى أنه أتى منكرا عظيما. ولا شك أن ذلك من ضعف
الإيمان، وقلة البصيرة، وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي، نسأل
الله العافية لنا ولسائر المسلمين.
وأغرب من ذلك أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر
المولد، ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن
الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة. ولا يتصل بأحد من
الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى
عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله سبحانه وتعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ
بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أول من ينشق
عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع وأول مشفع فهذه الآية
والحديث الشريف، وما جاء بمعناهما من الآيات والأحاديث، كلها تدل على أن النبي صلى
الله عليه وسلم وغيره من الأموات، إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، وهذا أمر
مجمع عليه بين علماء المسلمين، ليس فيه نزاع بينهم، فينبغي لكل مسلم: التنبه لهذه
الأمور، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم، من البدع والخرافات التي ما أنزل الله
بها من سلطان.
أما الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي من أفضل
القربات، ومن الأعمال الصالحات، كما قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وقال النبي صلى
الله عليه وسلم: من صلى علي
واحدة صلى الله عليه بها عشرا وهي مشروعة في
جميع الأوقات، ومتأكدة في آخر كل صلاة، بل واجبة عند الكثير من أهل العلم في التشهد
الأخير من كل صلاة، وسنة مؤكدة في مواضع كثيرة، منها ما بعد الأذان، وعند ذكره صلى
الله عليه وسلم، وفي يوم الجمعة وليلتها، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة. هذا ما
أردت التنبيه عليه نحو هذه المسألة، وفيه كفاية إن شاء الله لمن فتح الله عليه
وأنار بصيرته.
وإنه ليؤسفنا جدا أن تصدر مثل هذه الاحتفالات البدعية، من مسلمين
متمسكين بعقيدتهم، وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ونقول لمن يقول بذلك: إذا
كنت سنيا ومتبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل فعل ذلك هو أو أحد من صحابته
الكرام،
أو التابعين لهم بإحسان، أم هو التقليد الأعمى لأعداء الإسلام، من
اليهود والنصارى ومن على شاكلتهم.
وليس حب الرسول صلى الله عليه وسلم يتمثل فيما يقام من احتفالات بمولده،
بل بطاعته فيما أمر به، وتصديقه فيما أخبر به، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد
الله إلا بما شرع. وكذا بالصلاة عليه عند ذكره، وفي الصلوات وفي كل وقت ومناسبة.
وليست الوهابية حسب تعبير الكاتب بدعا في إنكار مثل هذه الأمور البدعية، بل عقيدة
الوهابية: هي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسير على هديه،
وهدي خلفائه الراشدين، والتابعين لهم بإحسان، وما كان عليه السلف الصالح، وأئمة
الدين والهدى، أهل الفقه والفتوى في باب معرفة الله، وإثبات صفات كماله ونعوت
جلاله، التي نطق بها الكتاب العزيز، وصحت بها الأخبار النبوية، وتلقتها صحابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالقبول والتسليم. يثبتونها ويؤمنون بها ويمرونها كما
جاءت، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ويتمسكون بما درج عليه
التابعون، وتابعوهم من أهل العلم والإيمان والتقوى، وسلف الأمة وأئمتها، ويؤمنون
بأن أصل الإيمان وقاعدته هي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهي
أصل الإيمان بالله وحده، وهي أفضل شعب الإيمان، ويعلمون بأن هذا الأصل لابد فيه من
العلم والعمل والإقرار بإجماع المسلمين، ومدلوله وجوب عبادة الله وحده لا شريك له،
والبراءة من عبادة ما سواه، كائنا من كان، وأن هذا هو الحكمة التي خلقت لها الجن
والإنس، وأرسلت لها الرسل وأنزلت بها الكتب، وهي تتضمن كمال الذل والحب لله وحده،
وتتضمن كمال الطاعة والتعظيم، وأن هذا هو دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينا سواه،
لا من الأولين ولا من الآخرين، فإن الأنبياء على دين الإسلام، وبعثوا بالدعوة إليه،
وما يتضمن من الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره، أو دعاه ودعا غيره كان
مشركا، ومن لم يستسلم له كان
مستكبرا عن عبادته قال تعالى: وَلَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ
وعقيدتهم مبنية أيضا على تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، ونبذ البدع
والخرافات، وكل ما يخالف الشرع الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا هو الذي يعتقده الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، ويدين الله به،
ويدعو إليه، ومن نسب إليه خلاف هذا فقد كذب وافترى إثما مبينا، وقال ما ليس له به
علم. وسيجزيه الله ما وعد به أمثاله من المفترين، وأبدى رحمه الله تعالى من
التقارير المفيدة، والأبحاث الفريدة، والمؤلفات الجليلة، على كلمة الإخلاص
والتوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله، وما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، من نفي
استحقاق العبادة والإلهية عما سوى الله، وإثبات ذلك لله سبحانه وتعالى، على وجه
الكمال المنافي للشرك دقيقه وجليله، ومن عرف مصنفاته وما ثبت عنه، وعرف واشتهر من
دعوته وأمره وما عليه الفضلاء النبلاء من أصحابه وتلامذته، تبين له أنه على ما كان
عليه السلف الصالح، وأئمة الدين والهدى، من إخلاص العبادة لله وحده، ونبذ البدع
والخرافات، وهذا هو الذي قام عليه حكم السعودية، وعلماؤها يسيرون عليه والحمد لله،
وليست الحكومة السعودية متصلبة إلا ضد البدع، والخرافات للدين الإسلامي، والغلو
المفرط الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، والعلماء والمسلمون بالسعودية
وحكامهم يحترمون كل مسلم احتراما شديدا، ويكنون لهم الولاء والمحبة والتقدير، من أي
قطر أو جهة كان، وإنما ينكرون على أصحاب العقائد الضالة ما يقيمونه من بدع وخرافات
وأعياد مبتدعة، وإقامتها والاحتفال بها، مما لم يأذن به الله ولا رسوله، ويمنعون
ذلك؛ لأنه من محدثات الأمور وكل محدثة بدعة، والمسلمون مأمورون بالاتباع لا
بالابتداع، لكمال الدين الإسلامي واستغنائه بما شرعه الله
ورسوله صلى الله عليه
وسلم، وتلقاه أهل السنة والجماعة بالقبول من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ومن نهج
نهجهم.
وليس منع الاحتفال البدعي بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وما يكون
فيه من غلو أو شرك ونحو ذلك عملا غير إسلامي، أو إهانة لرسول الله صلى الله عليه
وسلم، بل هو طاعة له وامتثال لأمره، حيث قال: إياكم والغلو في
الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين وقال: لا تطروني كما
أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله
هذا ما أردت التنبيه عليه في المقال المشار إليه. والله المسئول أن
يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمن على الجميع بلزوم
السنة، والحذر من البدعة، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله
وصحبه.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى